فصل: مسألة الماء يكون بين الرجلين فتهور البئر فيقال لأحدهما اعمل ولك الماء كله:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة شهدا عليه وأختلفا:

وقال فيمن شهد عليه شاهد واحد في شيء إن فعله فامرأته طالق، وشهد آخر أنه قال: إن فعله فإحدى امرأتيه طالق، ففعله وأنكر شهادتهما، قال: لا تجوز شهادتهما؛ لأنها قد اختلفت.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة تكررت في مواضع، ومضى القول عليها مستوفى في رسم العرية، من سماع عيسى، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

.مسألة شهادة السماع:

قال: وإنما تجوز شهادة السماع أن يقول: لم أزل أسمع أن فلانا مولى فلان فيرثه، ولا يجر ولاءه، ولا يرث مواليه، ولا بني عمه يريد الميت، ولا عصبته، إنما يرث ما له قط، ولا يجر ولاءه ولا يثبت له نسب، إلا أن يكون أمرا مشتهرا مثل أن يقول: أشهد أن نافعا مولى ابن عمر، وأن عمر هو ابن الخطاب؛ لأن هذا أمر معروف، ولا يختلف فيه أحد، فإذا كان مثل هذا أجزت له الولاء، وأثبت له النسب، قيل له: أنشهد الساعة أنك ابن القاسم، ولا أعرف أباك، ولا أعرف أنك ابنه إلا بالسماع؟ قال: نعم، تقطع بهذه الشهادة، ويثبت بها النسب، ويرث ويورث، ويجر الولاء إذا كان في مثل هذا الأمر المعروف.
قال الإمام القاضي: هذا كما قال، وهو مما لا اختلاف فيه أن السماع إذا كان مشتهرا في الولاء والنسب مثل ما اشتهر من أن نافعا مولى ابن عمر، ومن أن عمر هو ابن الخطاب، يثبت به النسب والولاء، ويشهد الشاهد فيه على القطع، فيقول: نشهد أن فلانا هو ابن فلان، وأن فلانا هو مولى فلان، وأما إذا لم يكن السماع بذلك، مشتهرا اشتهارا يصح للشاهد به الشهادة على القطع، فقال في شهادته: لم أزل أسمع من أهل العدل وغيرهم أن فلانا هو ابن فلان، وأن مولى فلان ففي ذلك اختلاف، قيل: إنه يثبت بذلك النسب والولاء، وهو قول أشهب، والذي يأتي على قياس قول ابن القاسم في سماع أصبغ، في إجازة شهادة السماع، في ضرر الزوجين، وقيل: إنه لا يثبت بها النسب ولا الولاء، ويستحق بها الميراث، وهو قول ابن القاسم في هذه الرواية وفي المدونة، ويتخرج في المسألة قول ثالث: أنه لا يثبت بها النسب ولا يستحق بها المال؛ لأن المال لا يستحق إلا بعد ثبات النسب أو الولاء، وقد مضى في صدر نوازل سحنون تحصيل الاختلاف فيما تجوز فيه الشهادة على السماع مما لا تجوز، فأغنى ذلك عن إعادته هاهنا، وبالله التوفيق.

.مسألة الشهادة على الشهادة في الزنا:

قال ابن القاسم تجوز شهادة ثلاثة على ثلاثة في الزنا واثنين على واحد.
قال محمد بن رشد: هذا نص قول ابن القاسم في المدونة: أن الشهادة على الشهادة في الزنا لا تتم بأقل من أربعة شهداء إذا شهدوا على كل واحد من الأربعة الذين شهدوا على الرؤية، وكذلك لو شهد منهم اثنان على اثنين، أو اثنان على ثلاثة، أو اثنان على واحد، فإن لم يفرقوا لم يكن بد من اثنين على كل واحد، فيصيروا ثمانية، ويجوز في تعديلهم ما يجوز في تعديل غيرهم اثنان على كل واحد منهم، أو أربعة على جميعهم، وهو مذهب ابن الماجشون، وابن عبد الحكم، وأصبغ؛ فقول ابن القاسم في الرواية: يجوز ثلاثة على ثلاثة في الزنا، واثنين على واحد؛ كلام خرج على سؤال سائل، فلا دليل فيه على أنه لا يجوز عنده أقل من ذلك؛ لأنه يجوز على مذهبه اثنان على الثلاثة، واثنان على الواحد حسبما ذكرناه، وذهب مالك في رواية مطرف عنه إلى أنه لا يجوز في الشهادة على الشهادة في الزنا إلا ستة عشر شاهدا أربعة على كل واحد من الأربعة اجتمعوا أو افترقوا، وكذلك لا يجوز عنده في تعديل الشهود على الزنا إلا ستة عشر شاهدا أربعة على كل واحد من الأربعة، اجتمعوا أو افترقوا، وفي تعديل الشهود على الشهود إلا أربعة وستون أربعة على كل واحد من الستة عشر، اجتمعوا أو افترقوا، ويتخرج في المسألة قول ثالث، وهو أنه واحد من الستة عشر اجتمعوا أو افترقوا، ويتخرج على كل واحد منهم إن افترقوا، وقد مضى طرف من هذا المعنى في آخر نوازل سحنون، وبالله التوفيق.

.مسألة شهادة الرجل على الرجل بما سمع منه دون أن يشهده:

قال ابن القاسم في قاض شهد عنده رجل لرجل أن له على فلان مائة دينار، فذهب فأتى بشاهد آخر، فمات الشاهد الذي شهد وعزل القاضي، فأراد القاضي أن يشهد أنه قد شهد عنده فلان أن له على فلان مائة دينار أتثبت شهادته؟ قال: نعم، إن شهد معه غيره، وإلا فلا.
قال الإمام القاضي: شهادة الرجل على الرجل بما سمع منه دون أن يشهده، تنقسم على ثلاثة أقسام؛ أحدها: شهادته عليه بما سمع منه من قذفه لرجل بما يجب له به عليه حد أو أدب. والثاني: شهادته عليه بما سمع منه من إقراره على نفسه لرجل بحق. والثالث: شهادته عليه بما سمع منه من شهادته على غيره، فأما شهادته عليه بما سمعه منه من قذفه لرجل بما يجب له به عليه حد أو أدب، فلا اختلاف في أن شهادته عليه جائزة، وأما شهادته عليه بما سمع منه من إقراره على نفسه لرجل بحق، ففي ذلك قولان: أحدهما: أنه لا يشهد ولا تجوز شهادته إن شهد، وهو أحد قولي مالك في المدونة، وقول ابن أبي حازم، وابن الماجشون وروايته عن مالك في المدنية، ومثله لمالك في كتاب ابن المواز، قال: لا يشهد الرجل على الرجل بما سمع من إقراره على نفسه دون أن يشهده على ذلك، إلا أن يكون قاذفا. والثاني: أن شهادته جائزة، وهو أحد قولي مالك في المدونة، واختيار ابن القاسم فيها، وأما شهادته عليه بما سمع منه من شهادته على غيره بحق أو قذف أو زنا، فلا اختلاف في أنه لا يجوز له أن يشهد على شهادته بما سمع منه دون أن يشهده، فإن شهد لم تجز شهادته، وحد إن كان شهد على شهادته في زنا على اختلاف في ذلك، وقد ذكرناه في غير هذا الكتاب، واختلف إن سمعه يؤديها عند الحاكم، أو كان هو الحاكم فشهد بها عنده أو سمعه، يشهد غيره على شهادته، ولم يشهده هو، فالمشهور أن شهادته على شهادته جائزة، وهو قول ابن القاسم في هذه الرواية ورواية حسين بن عاصم عنه في بعض روايات العتبية من هذا الكتاب، والذي يأتي على قياس قوله في المدونة في إجازة شهادة الرجل على الرجل، بما سمع منه إذا استوعب كلامه، وإن لم يشهده، وقد قيل: إنها لا تجوز، وهو الذي يأتي على قياس أحد قولي مالك في المدونة، ورواية ابن الماجشون عنه في المدنية، وما حكاه ابن المواز عنه، وبالله التوفيق.

.مسألة شهدوا على امرأة أنها أوصت بكذا فشهد آخرون أنها كانت موسوسة:

وسئل عن قوم شهدوا على امرأة أنها أوصت بكذا وكذا في مرضها، وهي صحيحة العقل، فشهد آخرون أنها كانت موسوسة؟ فقال: أرى أن تثبت شهادة الذين شهدوا في الوصية، وتطرح شهادة الذين شهدوا أنها موسوسة.
قال الإمام القاضي: هذه مسألة قد مضى التكلم عليها في آخر نوازل سحنون، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

.مسألة يكون عدوا لرجل فشهد له وعليه بشهادة:

قال: وسئل عن الرجل يكون عدوا لرجل، فشهد له وعليه بشهادة، أتجوز له وعليه، أم لا تجوز له، ولا تجوز عليه، كان ذلك في شهادة واحدة أو في شهادات مفترقة؟ قال: يجوز له، ولا يجوز عليه إن كان هذا في شهادات مفترقة، وإن كان في شهادة واحدة، لم يجز له ولا عليه.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله: إنه يجوز له، ولا يجوز عليه إن كانت الشهادتان مفترقتين؛ لأن شهادة الرجل تجوز لعدوه، ولا تجوز عليه، ولا تجوز له ولا عليه إن كانت الشهادة واحدة؛ لأن شهادة الرجل على عدوه لا تجوز لأنه متهم فيها، وإذا سقط بعض الشهادة للتهمة بطل جميعها على المشهور في المذهب، وقد قيل: إنها يجوز منها ما لا تهمة فيه، وهو قول أصبغ في نوازله حسبما بيناه فيها، وبالله التوفيق.

.مسألة شهادة ابن خمس عشرة سنة:

قال ابن القاسم: لا تجوز شهادة ابن خمس عشرة سنة، إلا أن يحتلم حتى يبلغ ثمان عشرة سنة، فإذا بلغها جازت شهادته، وإن لم يحتلم، وقال ابن وهب: تجوز شهادة الغلام إذا أتى عليه خمس عشرة سنة، وإن لم يحتلم إذا كان عدلا؛ لأن النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ أجازهم في القتال يوم الخندق، ولم يجز ابن أربع عشرة سنة يوم أحد، وكان أحد قبل الخندق بسنة.
قال محمد بن رشد: قد روي عن ابن القاسم أنه لا تجوز شهادته إذا لم يحتلم حتى يبلغ سبع عشرة سنة، ففي الحد الذي يحكم به لمن لم يحتلم بحكم من احتلم ثلاثة أقوال ترجع إلى قولين؛ أحدهما: أنه لا يحكم له بالبلوغ إذا لم يحتلم حتى يبلغ من السن ما لا يجاوزه أحد في الغالب، إلا احتلم وهو السبعة عشر عاما، أو الثمانية عشر عاما. والثاني: أنه يحكم له بالبلوغ إذا بلغ من السن سن من قد يحتلم من الناس، وإن لم يكن ذلك غالبا، فأول سن الاحتلام خمسة عشر عاما، وآخره سبعة عشر عاما، أو ثمانية عشر عاما، فيحكم له بالبلوغ عند ابن وهب ببلوغ أول سن الاحتلام، ولا يحكم له به عند ابن القاسم إلا ببلوغ آخره في جميع العبادات قياسا على الشهادات؛ لأنها من العبادات التي خاطب الله عباده بها حيث يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ} [النساء: 135]، وقوله: {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282]، وقوله: {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ} [البقرة: 283]، وهو مصدق فيها إذا ادعى أنه لم يحتلم، كما يصدق في العبادات التي بينه وبين خالقه من الصلاة والصيام وما أشبه ذلك.
واختلف هل يصدق أنه لم يحتلم فيما يتعين عليه من الحقوق والحدود في بدنه، فقيل: إنه لا يصدق في ذلك، وقيل: إنه يصدق فيه، وإلى هذا يرجع عندي اختلاف قول مالك في المدونة في وجوب إقامة الحد على من أنبت وإن لم يحتلم؛ لأن الإنبات يكون عند أول سن الاحتلام، فله حكمه، وقد قيل: إن اختلاف قول مالك في المدونة في وجوب الحد على من أنبت، ولم يحتلم لا يرجع إلى التصديق في الاحتلام، وأنه على ظاهره في وجوب الحد بالإنبات، ولزوم جميع العبادات له، وإن أحد قولي مالك في وجوب الحد على من أنبت، وإن لم يحتلم يأتي على قياس قول ابن وهب في إجازة شهادة من بلغ خمس عشرة سنة ولم يحتلم، وهو بعيد؛ لأن قول ابن وهب شذوذ، وحجته بالحديث ضعيفة، فقد قال ابن عبد الحكم وغيره في غير العتبية: إنه إنما أجازه؛ لأنه رآه مطيقا للقتال، ولم يسأله عن سنه، فلا دليل فيه على أنه حد للبلوغ.
وإن ادعى الشاهد قبل أن يبلغ أقصى سن الاحتلام في الغالب أنه قد احتلم لم يصدق؛ لأنه يتهم في إجازة شهادته بخلاف الحدود والعبادات إذا ادعى أنه لم يحتلم، فيصدق في العبادات قولا واحدا؛ لأنه فيما بينه وبين خالقه، وفي الحدود على اختلاف، فوجه القول بتصديقه ما جاء من أن الحدود تدرأ بالشبهات، ووجه القول بأنه لا يصدق اتهامه في إسقاط الحد عن نفسه، وحد جواز الشهادة حد بتوجه الخطاب، ولزوم التكليف؛ لأن من لم يتوجه إليه الخطاب ولا لزمه التكليف، فليس بمتحرز في شهادته؛ إذ ليس يأثم ولا يجرح في الكذب فيها لارتفاع العلم عنه، ولا تجوز شهادة من لا يتحرج في عبادته.

.مسألة الشهادتان في مجلس واحد ولفظ واحد اختلفا فيه:

قال: ولو أن رجلا شهد له أن عند عبد الله عشرة دنانير، وشهد شاهد آخر أن له على عبد الله عشرين دينارا قال: يحلف مع كل شاهد يمينا، وتكون له العشرون والعشرة، ويأخذ منه ثلاثين.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن قول. أحد الشاهدين له عنده خلاف قول آخر له عليه؛ لأن لفظة عنده، تقتضي الأمانة، ولفظة عليه تقتضي الذمة، فكل واحد منهما شهد له على عبد الله بغير ما شهد له به عليه الآخر، فله أن يحلف مع كل واحد منهما، ويستحق الثلاثين، وإن شاء أن يحلف مع أحدهما، ويرد اليمين على المطلوب فيما شهد به الشاهد الآخر، وإن شاء أن يرد اليمين على المطلوب في الجميع، وليس له أن يأخذ العشرة دون يمين؛ إذ لم يجتمع له عليها الشاهدان بخلاف إذا شهد أحدهما أن له عليه عشرة، وشهد الآخر أن له عليه عشرين، هذا له أن يأخذ العشرة دون يمين؛ لاجتماع الشاهدين عليهما، وإن شاء أن يحلف مع الشاهد الذي شهد له بالعشرين ويأخذها، وهذا إذا كانت الشهادتان في مجلس واحد ولفظ واحد، اختلفا فيه فقال أحدهما: إنه أقر له بعشرة، وقال الآخر: بل أقر له بعشرين، وإن كانت الشهادة في مجلسين، فهما حقان، وله أن يحلف مع كل واحد منهما، ويستحق ما شهد له به، ولو قال الشاهدان اللذان شهد أحدهما: أن له عنده عشرة دنانير، وقال الآخر: إن له عليه عشرين دينارا: إنها شهادة واحدة لبطلت شهادتهما، إن زعم رب الحق أنهما حقان مختلفان، وإن زعم أن أحدهما محق حلف مع الذي ادعى أنه محق، وأخذ ما حلف عليه، وقد مضى في نوازل سحنون بيان هذا في الشاهدين، يشهد أحدهما لرجل ببغل، والآخر بحنطة، ولا فرق بين المسألتين، وبالله التوفيق.
كمل كتاب الشهادات بحمد الله وحسن عونه.

.كتاب السداد والأنهار:

.مسألة الماء يكون بين الرجلين فتهور البئر فيقال لأحدهما اعمل ولك الماء كله:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على من لا نبي بعده، ولا شفيع نرجوه سواه، سيدنا محمد من سماع ابن القاسم من مالك من كتاب الرطب باليابس قال سحنون: أخبرني ابن القاسم عن تفسير قول مالك في الماء يكون بين الرجلين، فتهور البئر، فيقال لأحدهما: اعمل ولك الماء كله، أو اعمل مع صاحبك إن كل أرض كانت مشتركة لم يقتسمها أهلها من نخل أو أصول أو أرض فيها زرع زرعوه جميعا، فانهدمت أو تهورت البئر، فإنه يقال لصاحبه إذا كان بينهما الأصل: اعمل مع صاحبك، أو بع حصتك من الأصل والماء، أو قاسمه الأصل، فخذ حصتك ويأخذ حصته، فيؤمر من أحب أن يعمل عمل، ومن أحب أن يترك ترك، ومن عمل منهما كان له الماء كله حتى يأتيه شريكه بما يصيبه من النفقة، فيرجع على حقه من الماء، وإن كان بينهما زرع أو شجر مثمر في أرض لهما، فإن من أبى أن يعمل يجبر على ما أحب أو كره، أو يبيع ذلك ممن يعمل معه، وأما كل أرض مقسومة أو شجر مقسومة، أو زرع لرجلين في أرض مقسومة بينهما، إلا أن ماءهما واحد، فتهور البئر، وتنقطع العين، فيأبى أحدهما أن يعمل، ويرضى بهلاك زرعه أو شجره أو أصوله، فإن ذلك له، ولا يكلف النفقة معه، ويقال للآخر: اعمل ولك الماء كله إلا أن يأتي شريكه بالذي يصيبه من النفقة في حصته، فيرجع على حقه من الماء، وإنما الشريكان في الأصول والزرع إذا انهارت البئر بمنزلة الشريكين في الدار تنهدم، فيأبى أحدهما أن يبني، ويريد الآخر البنيان فيقال له ابن مع صاحبك، أو قاسمه العرصة، فما صار له بنى فيه، وما صار لك صنعت فيه ما شئت، وكذلك الأصول والزرع إذا كان بين الرجلين، قال سحنون: كان ابن نافع يقول والمخزومي: إنما هذا في كل بئر ليس عليها حياة لا زرع ولا نخل ولا غيره، فأما كل بئر عليها حياة أو عين، فتهور فيأبى أحدهما أن يعمل، فإنه يجبر على أن يعمل معه أو يبيع نصيبه ممن يعمل معه بمنزلة السفل، يكون لرجل والعلو لآخر فينهدم، فإن صاحب السفل يجبر على أن يعمل، فإن أبى بيع عليه.
قال محمد بن رشد: إذا كان للشريكين في الأرض زرع بينهما قد زرعاه جميعا، فلا تجوز قسمته مع الأرض، والواجب في ذلك إذا أرادا قسمة الأرض أن يقتسماها دون الزرع، ويبقى الزرع مشتركا بينهما إلى أن يحصداه ويدرساه، ويقتسماه بالكيل، فقوله في أول هذه المسألة إن كل أرض كانت مشتركة لم يقتسمها أهلها من نخل أو أصول أو أرض فيها زرع زرعوه جميعا، فانهدمت البئر أو تهورت، فإنه يقال لصاحبه إذا كان بينهما الأصل: اعمل مع صاحبك، أو بع حصتك من الأصل والماء، أو قاسمه الأصل، فخذ حصتك، ويأخذ حصته، فيؤمر من أحب أن يعمل عمل، ومن أحب أن يترك ترك، ومن عمل منهما كان له الماء كله حتى يأتيه شريكه بما يصيبه من النفقة، فيرجع على حقه من الماء، معناه إذا كان الزرع قد استغنى عن الماء، وإنما يحتاج إلى سقي الأرض بعد حصاد الزرع، فأراد أحدهما إصلاح البئر ليسقيا بمائها الأرض بعد حصاد الزرع منها، وأبى الآخر من ذلك، فحينئذ يكون ما قال من أنه يقال للآبي منهما: اعمل مع صاحبك، أو بع حصتك من الأصل والماء، أو قاسمه الأصل بمنزلة إذا لم يكن في الأرض زرع سواء، وقال: إنه يقال للآبي منهما: إما أن تعمل مع صاحبك، أو تبيع حصتك من الأصل، أو تقاسمه إياه، ولم يقل إذا أبى من الثلاثة الأوجه كلها ماذا يحكم به عليه منها، والذي يحكم به عليه منها القسمة، فكان صواب الكلام أن يقال يقال للآبي منهما: لابد لك من أن تقاسم شريكك، إلا أن تعمل معه، أو يبيع حصته، فإن باع حصته، وأبى المشتري أن يعمل قيل له ما قيل للبائع: لابد لك من أن تقاسم شريكك، أو تعمل معه أو تبيع حصتك.
وقوله في الرواية بعد ذلك وإن كان بينهما زرع أو شجر مثمر في أرض لهما، فإن من أبى أن يعمل يجبر على ما أحب أو كره، على أن يعمل أو يبيع ذلك ممن يعمل معه، معناه إذا احتاج الزرع أو الثمر إلى السقي، وهو صحيح؛ إذ لا يمكنهما قسمة ذلك مع الأرض، وقال: إن من أبى أن يعمل يجبر على ما أحب أو كره على أن يعمل أو يبيع ذلك ممن يعمل، ولم يقل إذا أبى منهما جميعا على أيهما يجبر منهما، وفي ذلك اختلاف، قيل: إنه يجبر على أن يعمل معه، وقيل: إنه يجبر على أن يبيع ممن يعمل معه، وهو قول ابن القاسم في رسم الكبش، من سماع يحيى، وسيأتي القول على ذلك هنالك إن شاء الله.
وقد قيل: إن البيع على هذا الشرط لا يجوز ويباع عليه من حظه بقدر ما يلزمه من العمل فيما بقي من حقه بعدما بيع عليه منه، وهو قول مالك في رسم الصلاة، من سماع يحيى، من كتاب الأقضية، وأصح القولين في النظر، وقد قال سحنون: إن البيع على الشرط إنما جاز على وجه الضرورة إذا لم يكن للبائع مال، وليس قوله ببين؛ إذ لا ضرورة تدعو إلى ذلك؛ لأنه يقدر على أن يباع عليه من حظه دون شرط بقدر ما يلزمه من الإنفاق في عمل ما بقي من نصيبه، وقد ذكرنا ذلك في رسم الكبش، من سماع يحيى، من كتاب الأقضية.
وأما الأرض المقسومة، فإن لم يكن عليها حياة فلا اختلاف في أن الآبي لا يلزمه العمل مع صاحبه، ويقال لصاحبه: اعمل ولك الماء كله، أو ما زاد تعمله إلى أن يأتيه صاحبه الآبي بما يصيبه من النفقة، ويدخل في كون الماء له إلى أن يأتيه شريكه بحظه من النفقة اختلاف بالمعنى من مسألة نوازل عيسى بن دينار بعد هذا من هذا الكتاب.
وأما إذا كان عليها حياة فقال ابن القاسم ذلك بمنزلة إذا لم يكن عليها حياة سواء، وقال ابن نافع والمخزومي: إن الشريك في العين أو في البئر يجبر على أن يعمل معه، أو يبيع نصيبه ممن يعمل معه بمنزلة العلو يكون لرجل والسفل لآخر فينهدم، وهو تنظير غير صحيح؛ إذ لا يقدر صاحب العلو أن يبني علوه حتى يبني صاحب السفل سفله، ويقدر الذي يريد السقي بماء البئر المشتركة بينهما إذا انهدمت أن يصل إلى ما يريده من السقي بأن يصلح البئر، ويكون أحق بجميع الماء إلى أن يأتيه صاحبه بما ينوبه من النفقة، فقول ابن القاسم أصح من قول ابن نافع والمخزومي، والله أعلم، وبه التوفيق.

.مسألة الكلأ يختلف باختلاف مواضعه:

ومن كتاب أوله أخذ يشرب خمرا:
قال: وسئل عن الرجل تكون له الأرض فيها العشب، فيريد أن يحميها، أترى ذلك له؟ قال: نعم؛ إذا كان له بها حاجة، وإن لم تكن له بها حاجة، فلا أرى ذلك له.
قال محمد بن رشد: الحكم في الكلأ يختلف باختلاف مواضعه، ومواضعه تنقسم على قسمين؛ أحدهما: أن يكون في أرض غير متملكة. والثاني: أن يكون في أرض متملكة، فأما إذا كان في أرض غير متملكة مثل الصحاري والبراري والفيافي، فلا اختلاف في أن الناس كلهم فيه سواء، ليس لأحد منهم أن يمنعه، ولا أن يبيعه، وهو قائم في موضعه؛ لقول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا يمنع الكلأ»، وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ»، فنهى عن منعه، وعما هو ذريعة إلى منعه؛ لأن صاحب الماشية إذا منع من الماء لم يقدر على الإقامة على الرعي، فإن جاء رجلان لرعي كلأ هذا الموضع معا كانا فيه أسوة، واختلف إن سبق أحدهما إليه، فنزله وجعل يرعى ما حوله أو حفر فيه بئرا، هل يكون أحق بقدر حاجته من كلأ ذلك الموضع دون الفضل أم لا على ثلاثة أقوال؛ أحدها: أنه لا يكون أحق بشيء من كلئه، والناس معه فيه أسوة، وهو نص قول ابن القاسم وروايته عن مالك في كتاب حريم البئر من المدونة. والثاني: أنه يكون أحق من الناس بقدر حاجته من كلأ، ذلك الموضع الذي نزله، وجعل يرعى ما حوله، وإن لم يحتفر فيه بئرا، وهو قول أشهب، فرآه أحق بالسبق إلى ذلك الموضع والنزول فيه، ومعناه إذا انتجع إليه، وقصده من بعد، وأما إذا مر به فنزله، فلا يكون لمجرد سبقه إليه أحق بمقدار حاجته من كلئه، والله أعلم، وقد تئول أن قول أشهب ليس معناه أنه جعله بمجرد السبق إلى النزول في ذلك الموضع أحق من الناس بقدر حاجته من كلئه، وإنما معناه أنه جعل رعيه لكلأ ذلك الموضع إحياء له؛ لأنه لما رعاه صار له عليه يد، فيكون أحق بما يحدث فيه من الكلأ مرة أخرى، إلا أن يفضل عن حاجته منه فضل، فيكون الناس في الفضل أسوة، ولا اختلاف في الفضل على حال. والقول الثالث: أنه لا يكون أحق بقدر حاجته من كلأ ذلك الموضع الذي سبق إليه بالنزول، وإن رعاه إلا أن يحفر فيه بئرا، فيكون أحق بقدر حاجته من الكلأ، كما يكون أحق بقدر حاجته من الماء، وهو ظاهر قول المغيرة وأعدل الأقوال وأولاها بالصواب؛ لأنه لا يقدر على المقام على الماء إذا لم يكن له في ذلك الموضع مرعى، فتذهب نفقته في البئر باطلا، وكذلك لو سبق بالنزول في ذلك الموضع، فبنى فيه بنيانا، أو أنفق فيه نفقة؛ لوجب على قياس هذا أن يكون أحق بقدر حاجته من كلأ ذلك الموضع، من غيره؛ لئلا تذهب نفقته باطلا، وقد قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا ضرر ولا ضرار» فمن الضرر البين أن يدخل عليه غيره في قدر حاجته من كلأ الموضع الذي أنفق فيه نفقته، وأما إذا كان الكلأ في أرض متملكة، فإن الأرض المتملكة تنقسم في ذلك على أربعة أقسام؛ أحدها: أن تكون محظرة، قد حظر عليها بحيطان كالجنات والحوائط. والثاني: أن تكون غير محظرة إلا أنها حماه ومروجه التي قد بورها للمرعى، وترك زراعتها من أجل ذلك. والثالث: فدادينه وفحوص أرضه التي لم يبورها للمرعى، وإنما ترك زراعتها لاستغنائه عن زراعتها، وليجمها للحرث، فنبت فيها الكلأ. والرابع: العفا والمسرح من أرض قريبة، فأما الأرض المحظرة التي قد حظر عليها كالحوائط والجنات، فلا اختلاف فيما كان فيها من الكلأ أن صاحبه أحق به، له أن يبيعه ويمنعه احتاج إليه أو لم يحتج إليه، وليس لأحد الدخول عليه، في حائطه لرعي، ولا احتشاش إلا بإذنه، وأما العفا والمسرح من أرض قريبة، فلا اختلاف في أنه لا يبيعه، ولا يمنع الناس عما فضل من حاجته منه، إلا أن يكون عليه في تخلص الناس إليه بدوابهم ومواشيهم ضرر من زرع يكون له حق إليه، فيفسد عليه بالإقبال عليه والإدبار، وأما الأرض التي بورها للمرعى، وترك الانتفاع بزراعتها من أجل ذلك، فقيل له أن يمنع إن احتاج إليه ليرعاه، ويبيع إن لم يحتج إليه ممن يرعاه أو يحتشه، وهو مذهب ابن القاسم وابن الماجشون، فإن لم يحتج إليه ولا وجد من يبيعه منه جبر على أن يخلي بين الناس وبينه، ولا يباح له أن يمنع الناس منه، ويترك حتى ييبس ويفسد، وقيل: إن له أن يمنع إن احتاج إليه، وليس له أن يبيع، وهو قول أشهب، وأما فحوص أرضه وفدادينه التي لم يبورها للمرعى، فقال ابن القاسم وأشهب: له أن يمنع إن احتاج، وليس له أن يبيع إن لم يحتج إليه، وقال ابن الماجشون: له أن يمنع إن احتاج، وأن يبيع إن لم يحتج إليه، فأشهب يرى أنه ليس له أن يبيع مراعي أرضه، كان قد بورها للكلأ، أو لم يبورها لذلك، وابن الماجشون يرى أن له أن يبيع مراعي أرضه، كان قد بورها للكلأ، أو لم يبورها لذلك، وابن القاسم يفرق في إجازة البيع له إذا استغنى عنه بين الأرض التي بورها للمرعى، وبين التي لم يبورها للمرعى، فتحصل في مجموع الطرفين ثلاثة أقوال، وفي كل طرف منها على انفراده قولان.
وقد اختلف فيما وقع في كتاب حريم البئر من المدونة من قول مالك، إذا كانت لرجل أرض، فلا بأس أن يمنع كلأها إذا احتاج إليها، وإلا فليخل بين الناس وبينه، ومن قوله فيه: لا بأس أن يبيع الرجل خصب أرضه ممن يرعاه عامه ذلك، بعد أن ينبت، ولا يبيعه عامين ولا ثلاثة، فقيل: إن ذلك اختلاف من قوله، مرة رأى أن للرجل أن يبيع خصب أرضه، كان قد وقفها للمرعى، أو لم يوقفها له، مثل قول ابن الماجشون، ومرة رأى أنه ليس له أن يبيعه كان قد وقف الأرض للمرعى، أو لم يوقفها له، مثل قول أشهب، وقيل: ليس ذلك اختلافا من قوله، ومعناه أنه فرق في ذلك بين الأرض التي وقفها للمرعى، والتي لم يوقفها له، مثل قول ابن القاسم، وهو تأويل عيسى بن دينار في نوازله بعد هذا من هذا الكتاب، وبالله التوفيق.

.مسألة القيمة في العروض المستهلكة:

ومن كتاب أوله مرض وله أم ولد فحاضت:
وقال مالك في خليج لرجل يجري تحت جدار لرجل آخر، فجرى السيل فيه فهدمه، فقال صاحب الحائط لصاحب الخليج:
ابن لي حائطي، وقال الآخر: لا أبنيه، فقال مالك: أريتك لو أراد صاحب الحائط أن يسقي به أكان يدعه؟ قال: لا، قال: فإني أرى أن يقضى ببنيانه على صاحب الخليج الذي أفسد حائط الرجل.
قال محمد بن رشد: إنما وجب على رب الخليج بناء الحائط؛ لأنه هو الذي ساق الماء فيه، فأشبه سائق الدابة في وجوب ضمان ما وطئت عليه، فإذا كان لرب الحائط أن يسقي به سقط الضمان عن صاحب الخليج؛ لأن رب الحائط قد ساق الماء فيه معه، فلم ينفد على صاحب الحائط فيما صنعه، وإنما قال: إنه يقضى ببنيانه على صاحب الخليج، ولم يقل: إنه يلزمه قيمته على أصل المذهب في وجوب القيمة في العروض المستهلكة؛ إذ لا قيمة له على انفراده، فإنما يقوم بأن يقول: كم قيمة جميع الحائط قبل أن ينهدم هذا الجدار منه؟ وكم قيمته والجدار مهدوم؟ فتكون قيمة الجدار على الصفة التي كان عليها من البلاء ما بين القيمتين، وقد لا يكون فيما بين القيمتين، ما يقام به الحائط جديدا، فوجب أن يكون على المستهلك للحائط بإجراء الماء في الخليج ما يبنى به الحائط جديدا؛ إذ لا يتحصن لصاحب الحائط حائطه إلا بذلك، وهو معنى قوله: إنه يقضى ببنيانه على صاحب الخليج؛ لأن المراد بذلك أن يكون عليه إجارة الأجراء في بنيانه، وإجارة من يقوم بولاية بنيانه، فيستأجر الأجراء وما يحتاج إليه في ذلك من المواعن والآلات، أو يلي هو ذلك بنفسه، فلا يكون عليه سوى الأجر.
وإلزام المستهلك في هذه المسألة أكثر من قيمة ما استهلك شبيه بما قالوا فيمن استهلك، فرد خف لرجل أنه لا يلزمه قيمته على انفراد، وإنما يلزمه ما نقص من قيمتهما جميعا، وكان يمضي لنا عند من أدركنا من الشيوخ أن هذه المسألة من المسائل التي قضى فيها بالمثل في العروض، كشروى الجلود في مسألة الذي باع البعير الذي قام عليه واستثنى جلده، فاستحياه المبتاع، وكرفو الثوب في مسألة الذي خرق ثوبا لرجل خرقا يسيرا، وليس ذلك بصحيح؛ إذ لم يقض على مستهلك الحائط بمثله في صفته من البلاء؛ إذ لا يمكن ذلك، ولا يصح فيكون كمسألة شروى الجلد، فأما مسألة الرفو فليس بقضاء بالمثل؛ لأنه لم يستهلك له رفوا، وإنما خرق له ثوبا صحيحا لا رفو فيه، فلا معنى للمسألة إلا ما ذكرناه فيها، وبالله التوفيق.